لم يعد مونديال قطر 2022، مجرد حلم، أو وعود، أو مشروع قابل للتنفيذ بعد فترة من الزمن!.
لم يعد أول مونديال، تتشرف دولة عربية شقيقة، باحتضانه وتنظيمه، قابلا لكل أشكال الضرب والاعتداء الغاشم، والحملات المضللة المسعورة، لإيهام ألناس، في مختلف بقاع العالم، بأن هناك من سيفاجئهم، بتجريد قطر من أحقيتها بتنظيم النسخة الثانية والعشرين(22)، المقررة في شتاء سنة 2022.
لم تعد مشاركة المنتخب الوطني في هذا الاستحقاق العالمي، الفريد من نوعه، في الشرق الأوسط، والوطن العربي الكبير، مبعث شك وقلق وتوجس.
لا شيء من هذا، أو من ذاك، أصبح صالحا للاستهلاك.
الواقع ينطق بحقائقه الساطعة والمدوية للتاريخ.
المونديال أقيم في قطر، وشهد تنظيما محكما ورائعا على كافة المستويات، وحظي بمتابعة جماهيرية قياسية، من جميع بقاع العالم.
كل شيء كان جاهزا، لاستقبال الضيوف، وتوفير مقام مريح، يحفز على العطاء والتنافس والإبداع.
البيئة نظيفة، الملاعب من الجيل الجديد، مبدأ الاستدامة حقيقي، ولا تخطئه العين، المواصلات من الطراز العصري الرفيع المستوى، مضمونة وبالمجان، عبر الميترو والحافلات، صبيب الإنترنت مثل الشلال المتدفق والغزير العطاء…
الإنسان، الذي هو العماد والمنطلق، سواء، كان قطريا أو مقيما أو زائرا، يحظى بكل أشكال الاهتمام والرعاية.
لا فرق بين الجنسيات، ولا فوارق في التعامل مع أي أحد.
الثقافات والعقليات والهويات تتمازج وتتعانق وتتحاور وتتفاهم، وتضرب أروع الأمثلة في التعايش والتسامح والسلم، وقبول الآخر.
نعم، المونديال، أقيم في قطر، طيلة مدة شهر تقريبا، ودخل التاريخ من أوسع أبوابه كواحد من أفضل الدورات على مر الأزمنة، وبات حديث الخاص والعام، وحكايته تغري بإعادة قراءة واكتشاف فصوله المدهشة والمذهلة والمثيرة.
انتهى المونديال، ورفع من قيمة وأسهم العرب على الصعيد العالمي، وقدم شهادة للتاريخ على أنهم قادرون على البناء والمساهمة في ترسيخ وتثمين قيم المشترك الإنساني، بكثير من التميز والرقي، وعلى أن ما ينقصهم شيء واحد، هو وحدة الصف، والقطع مع أوهام الفرقة والقطيعة والشتات، ليتحملوا مسؤوليتهم التاريخية والحضارية في إسعاد الإنسانية جمعاء.
شارك المنتخب المغربي في هذا المونديال البديع والاستثنائي، وكانت أرض قطر، فأل خير عليه، بالقدر الذي كان هو الآخر فأل خير عليها، بلاعبيه المكافحين.. المبدعين، وبقائدهم الملهم، وليد الركراكي، فحطموا الحواجز، ومركبات النقص، وأطاحوا بالكبار، بلجيكا وإسبانيا والبرتغال، وأحرجوا الفيفا، وصححوا مفاهيم بالية، وأعادوا كتابة التاريخ، بناء على أسس ومفاهيم وقواعد بديلة، غاية في النضج والنبل والبهاء.
أدخلوا البهجة والسعادة على قلوب كل المغاربة والعرب والأفارقة، وأكدوا أن زمن المستحيل في الرياضة ولى، ومجرد أضغاث أحلام، وأن الممكن قابل للإنجاز والتحقق، شريطة إخلاص النية والصدق في الأقوال والعمل، والتفاني في أداء الواجب.
قطر، نظمت فأبدعت، والمغرب شارك، ففاجأ وأبهر، ورفع هو الآخر السقف عاليا.
يا لها من دورة مونديالية، حطمت كل الحواجز، وأعادت الاعتبار لأمة أنهكتها الخلافات والشعارات الزائفة.
قطر والمغرب وجهان لعملة واحدة، اسمها العز والشموخ.
** عبد اللطيف المتوكل
تعليقات الزوار ( 0 )